Saturday, June 23, 2007

سقوط دولة تزوير الانتخابـات

ان كنا لا نكتفى بما عندنا وبتاريخانا وبثوراتنا وحركات التحرر فى بلادنا فلننظر الى ما فعلته اوكرانيا منذ عامان
تزييف إرادة الجماهير ليست قدرا محتوما علي الشعوب‏,‏ فهذه اللعبة الحقيرة هي واحدة من تجليات تطور النصب والاحتيال السياسي في القرن العشرين المنصرم‏,‏ ولا تكاد تخلو واحدة من دول العالم الثالث من ذكريات معها‏..‏ وما حدث في أوكرانيا وشهدته شوارع العاصمة كييف التي لم ترتشف شوارعها المطر بقدر ما ارتوت به الكوفيات ذات اللون البرتقالي التي ارتداها الناس ليثبتوا أنهم جميعا من المعارضين‏..‏ لا يعيد للأذهان ذكريات الأزمنة الغابرة فحسب‏..‏ بل يعيد أيضا فتح ملف القهر والزيف والتلاعب بكرامة الشعوب‏..‏ باسم الديمقراطية‏!!‏والديمقراطية عند الناس هي إرادتهم في تسيير شئونهم بأيديهم‏,‏ وحكم أنفسهم بأنفسهم‏,‏ ونفاذ إرادتهم في كل ما يمس مصالحهم‏,‏ واختيار من يمثلهم‏,‏ ومن يمكن أن يثقوا في قدرته علي تحقيق أحلامهم‏,‏ لكنها عند محترفي النصب السياسي ليست أكثر من صندوق يحوي بين أركانه طموحات المغفلين وأوهام السذج‏..‏ الذين لا يعرفون ولا يدركون ولا يقدرون حجم التضحيات التي يقوم بها الغاصبون للسلطة من أجل زيادة نفوذهم وفلوسهم ويخوتهم وطائراتهم وحساباتهم البنكية التي تنطلق بسرعة الصاروخ من فوق أسطح البنوك لتجاور السحب في سماوات سويسرا‏..‏ الديمقراطية‏!!


واللعب بصناديق الانتخابات هو أهم ألعاب الاحتيال السياسي‏,‏ وجوهر ديمقراطية النصابين‏..‏ ولا يوجد مرجع عربي واحد يوثق لهذه اللعبة‏,‏ مثل رواية‏(‏ يوميات نائب في الأرياف‏)‏ التي خطها الكاتب الكبير الراحل توفيق الحكيم في أوائل الاربعينيات من القرن الماضي‏..‏ والتي حوت تطوراتها الدرامية تفاصيل عملية إلقاء صناديق الانتخابات في الترعة قبل وصولها للجان الفرز‏..‏ واستبدالها في الطريق بصناديق أخري تشبهها‏(‏ الخالق الناطق‏)‏ تقبع في داخلها إرادة كائنات أخري شبحية لا مرئية‏,‏ سهرت الليل بطوله من أجل إنفاذ إرادة الحكومة في اختيار من يمثل إرادة الشعب الذي لا يعرف مصلحته‏..‏ دون أن تحرم الجماهير من الإدلاء بصوتها بمنتهي الحرية‏..‏ ودون المساس بالقانون وسيادته‏!!‏لقد كانت الأصوات الانتخابية الغارقة في مجاري الترع والقنوات هي خلاصة عبقرية المزورين في ذلك الزمن السحيق‏,‏ وبمرور الوقت والسنين تطورت أدوات التلاعب بإرادة الناس‏,‏ وأصبحت هناك حواسب آلية معقدة مسخرة بالكامل لخدمة الأهداف السياسية للنصابين‏,‏ ودخلت التكنولوجيا مجال فرز الأصوات وتوازت معها التطورات التكنولوجية في مجال مكافحة الشغب بتكسير عظام المعترضين علي نتائج الانتخابات بالعصا الكهربية والرصاصات المطاطية والقنابل المسيلة للدموع والمهيجة للأعصاب لتفريق الضحايا وحماية الأمن العام وضمان الاستقرار والسلام الاجتماعي بعد ذلك‏..‏ للأبدولذلك يبدو المشهد الأوكراني عجيبا رغم حتميته‏..‏ فبالرغم من أن ما جري في أوكرانيا ليس هو آخر مسمار في نعش النصب السياسي‏,‏ إلا أنه يعد أهم رسالة شهدها العالم في القرن الجديد‏..‏ فعلي مدار الأيام التي تلت إعلان نتيجة الانتخابات الرئاسية في‏21‏ نوفمبر الماضي‏,‏ وفي أعقاب اكتشاف الناخبين وجود‏11‏ ألف حالة تلاعب بالأصوات وتزوير في النتائج‏,‏ خرج المتظاهرون يحملون علي أكتافهم إرادتهم وكرامتهم‏,‏ يحاصرون الأبنية الحكومية التي هي في النهاية أملاكهم‏,‏ ولأنهم كانوا يدركون منذ البداية أن دولة تزوير الانتخابات إلي زوال‏..‏ حرصوا جميعا علي احترام إرادة بعضهم البعض‏..‏ وألا يدعي أي منهم لنفسه احتكار الوطنية‏,‏ وزينوا طريق رجال مكافحة الشغب بالورود‏..‏ فهم ليسوا خصوما من أي نوع‏..‏ هم في النهاية ضحايا مثلهم تماما‏..‏ وانتظر الجميع حكم المحكمة‏.‏وفي قلب موجات الغضب الذي احتل الشوارع قال زعماء المعارضة الأوكرانية إن العنف لا يفيد قضية الديمقراطية ولا يصب إلا في مصلحة الدجالين‏..‏ وبعد سبعة أيام من الاحتجاجات العارمة المتواصلة ليل نهار ارتفع صوت يانوكوفيتش المرشح للرئاسة يزلزل جنبات ميدان الاستقلال بالعاصمة كييف لا يرجو من الناس إنهاء التمرد والاحتجاج كما طلب الرئيس الحالي كوشما ولكنه يأمر مؤيديه بحسم بألا يأتوا بأي عمل متطرف‏,‏ وقال بالحرف‏:‏ أكرر لا عنف بالمرة‏..‏ فحالما تسقط أول قطرة دم لن نتمكن جميعنا من وقف نزيف الدم‏..‏ وبعد ذلك بدقائق قال كوشما رئيس البلاد‏:‏ لو كنا بالفعل نريد أن نحافظ علي وحدة الأمة وسلامة أراضيها‏..‏ لو كنا نريد بالفعل أن نبني دولة ديمقراطية‏..‏ فلنقم بإعادة الانتخابات‏..!!‏قالها الرئيس الأوكراني قبل أن تحسم المحكمة الدستورية العليا قضية وجود تزوير من عدمه‏,‏ قالها والمحكمة منعقدة يوم الاثنين الماضي‏..‏ ليخط بذلك أول سطر في شهادة وفاة الدجل السياسي إيذانا بإعلان سقوط دولة تزوير الانتخابات في العالم المعاصر‏..‏ وليرسل لكل الأمم من حوله أهم برقية عاجلة تنعي انتهاء عصر بأكمله من عبودية المواطنين لأصحاب السلطة من مغتصبي المناصب وشواذ الآفاق محترفي النصب علي عباد الله باسم الديمقراطية‏..‏ هذه البرقية التي لا بد وأنها ستجد من يقرأها في العالم العربي‏..‏ ففي العراق انتخابات تم تجهيز صناديقها دون أن يتم قيد أصحاب الحق في التصويت داخلها‏..‏ وفي السعودية تبدأ تجربة انتخابات محلية رائدة تكرس نهجا جديدا في احترام إرادة المحكومين‏..‏ وفي مصر ترتفع لافتات التهاني بالأعياد في شوارع العاصمة والمحافظات الكبري من قبل سياسيين يمهدون الطريق لمعركة انتخابية برلمانية‏..‏ تعقبها انتخابات رئاسية يقف فيها‏70‏ مليون مصري وراء طموحاتهم وأحلامهم البسيطة في الصحة والستر والحرية‏!!‏

No comments: